كيت بلانشيت تفتح خزائن أسرارها لعدنان الكاتب
حوار: عدنان الكاتب Adnan AlKateb
ما أكثر الأسئلة التي دارت في ذهني وأنا في طريقي إلى لقاء أسطورة المسرح والسينما وأيقونة الجمال والأناقة، النجمة الأسترالية العالمية الشهيرة كيت بلانشيت Cate Blanchett التي تعتبر من القلائل جدا الذين تألقوا في السينما والمسرح معا، فهذه النجمة التي فازت بالأوسكار، أبهرت كل الأنظار بفرادة إطلالاتها عبر السنين، وصارت إسما لامعا لموهبتها وجمالها، وهي ممثلة بارعة نجحت في لعب أدوار متنوعة في المسرح والسينما، لا تنسى ولا تعد ولا تحصى: من ملكة إلى سيدة مجتمع وشخصية أسطورية وبطلة خارقة وممثلة.
كيت جميلة ومتواضعة ومرحة وممثلة بارعة ومنتجة ومخرجة مسرح، بدأت مسيرتها في عالم المسرح بعد تخرجها من المعهد الوطني الأسترالي للفن الدرامي، وهي متزوجة من الكاتب والمخرج الأسترالي أندرو ابتون، ولديهما أربعة أولاد.
بعد المدرسة الثانوية، كانت تفكر في التخصص في الهندسة المعمارية أو الفنون البصرية أو إدارة المتاحف. لكن بعد تجربة صغيرة لها مع التمثيل تسجلت في مدرسة تمثيل. وسرعان ما صار التمثيل إدمانا لها.
من انطلاق مسيرتها، ومن الحياة العائلية والتعامل مع الشهرة وبناء الثقة بالنفس ووفاة والدها، إلى مفهوم الجمال والتقدم في السن والرياضة والصحة والأناقة، كان لي معها هذا الحوار في دبي حيث أتت لتشارك للمرة الثالثة في مهرجان دبي السينمائي الدوليDIFF، وتترأس لجنة التحكيم لجائزة المخرجينIWC Filmmaker Award .
كسبت شهرة عالمية بعد دورك كإليزابيث الأولى ملكة انجلترا سنة 1989، وهذا الدور أكسبك جوائز كثيرة كالغولدن غلوب وجائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام. كيف كان شعورك؟
ما يهمني حقًا هو التجربة التي أعيشها من خلال عملي. أريد العمل مع أشخاص مثيرين للاهتمام في مشاريع مشوقة. الحياة تمنحنا خيارات كثيرة، خاصة إذا كنّا في مجال الإبداع. التمثيل يبقي حسي الإبداعي على قيد الحياة. أنا محظوظة بالحياة التي أعيشها اليوم وبانفتاح أبواب كثيرة أمامي. أنا إنسانة شغوفة، ودخلت عالم التمثيل بالصدفة. لم أدرس التمثيل لتحقيق الشهرة أو الثروة. وما يفرحني حقًا في مهنتي أنني أتمكن من عيش أنماط حياة مختلفة من خلال الشخصيات التي أؤديها.
بصراحة ما حصل بعد فيلم “إليزابيث” كان صدمة لي. فاعتقدت أن مسيرتي انتهت بعده. وكنت وقتها غير معروفة في السينما عالميًا وحتى على الصعيد المحلي. صدمني حقا نجاح هذا الفيلم وردات الفعل التي حصدها. الجوائز المرموقة تخيفني نوعا ما لأنني أخاف من أن أكون قد وصلت إلى قمة مسيرتي.
أداء تلو الآخر، لعبت أدوارًا كثيرة مرموقة. وأنت اليوم ممثلة مشهورة محترمة، وإسمك في قائمة الممثلات العشر الأعلى أجرًا في العام 2017. كيف تقيمين الدور عند اختيارك له، وكيف تقيمين نجاحك في تأديته؟
في المسرح وفي السينما، الدور ثانوي. الأهم بالنسبة إلي هو الناس الذين أعمل معهم من المخرج إلى زملائي الممثلين. ولطالما أحببت المغامرات والتحديات والمجازفات، فأستمتع بتأدية دور لا أعرف شيئًا عنه أو عن كيفية تأديته. لكن مشاهدة نفسي على الشاشة تجربة ليست سهلة أبدًا بل هي معذبة ومؤلمة، لأنني دائمًا أجد أشياء لا أحبها. وأنا أجد نفسي في المسرح أكثر فالأهم هو الجمهور والتفاعل والتبادل معه؛ لكن الهدف ليس أن ننال إعجاب الجميع ولا أن نكون مستقتلين لسماع التعليقات الإيجابية.
إذا نظرت إلى مسيرتك المهنية منذ بدايتها حتى اليوم، ما كان أكبر إنجاز حققته كممثلة؟
تأثرت كثيرًا بوسام الدولة لإسهامي في الحياة الثقافية التي منحتني إياه استراليا سنة 2017، فكرّمتني الدولة لتمثيلي، وكوني في نظرهم قدوة، ودعمي للقضايا الاجتماعية.
ما الأدوار الأبرز في ذاكرتك والتي لا تنسينها، ولماذا؟
معظم الشخصيات التي نمثلها تشكّل تحديًا. لعبت أدوارًا كثيرة على المسرح والشاشة. شخصية الملكة إليزابيث كانت معقدة ورائعة وملهمة. وفي “بلو جازمين”، كان شرفًا كبيرًا لي أن عمل مع المخرج الكبير وودي ألن، واستمتعت بتأدية هذا الدور المعقد جدًا. ولا أنسى الأفلام التي تغير نظرتي إلى الأمور، مثل “العام الأخير في مارينباد” و”مانيفستو” حيث استمتعت كثيرًا بإنجاز مهمة شبه مستحيلة حيث طلب مني المخرج تأدية 13 شخصية في غضون أيام قليلة.
كيف كانت تجربة إدارة شركة سيدني للمسرح مع زوجك أندرو ابتون؟
أحببت العمل مع زوجي كثيرًا. تولينا إدارة الشركة معًا لخمس سنوات، فأشرفنا على مسرحيات وإنتاجات كثيرة في استراليا، منها عدد بارز سافر حول العالم. كانت مسؤولية كبيرة وتحديًا هائلًا وتجربة سعيدة. طبعًا اضطريت إلى التخفيف من عملي في السينما، وكنت خائفة نوعًا ما لدى نهاية التجربة من أن أواجه صعوبة في العودة إلى السينما، لكنني عدت في فيلم “بلو جازمين”. ويمكنني القول إن تجربة إدارة الشركة جعلتني ممثلة أفضل.
ما أهم نقاط الاختلاف بين المسرح والسينما؟
سأتحدث أولًا من منظار الجمهور: الفيلم تجربة حميمة فأصبح بإمكاننا أن نشاهد الأفلام من أي مكان حتى من هاتفنا الجوال! أما المسرح فيعطي الحضور مادة للحوار والمناقشة بعد المسرحية ولديه قدرة هائلة على البقاء في الذاكرة. وبالنسبة إلي كممثلة، التمثيل على المسرح مشوق جدًا ومحفز بشكل يختلف عن السينما، من ناحية إدراكي لجمهوري الحاضر وإدراكي لتواصلي معهم وتجاوبهم معي؛ لكنني في تصوير فيلم قد أنسى الجمهور لأنه ليس معي. كما أن المسرح يسمح للممثل بمحاولات عديدة مع كل عرض، لكن عند الانتهاء من تصوير فيلم لم يعد لديك الفرصة لتحسين أدائك. في المجالين، اختياري للأدوار يتوقف على طاقم العمل والمخرج.
كيف ترين وضع المرأة اليوم في عالم السينما؟
في السينما كما في كل القطاعات، المرأة لا تجني الأجور والرواتب التي يكسبها الرجال. لكنني سعيدة اليوم بدعم النساء لبعضهن البعض، وأتوقع تغييرا إيجابيا كبيرا إذا واصلنا العمل الجماعي يدا بيد. الممثلة تساهم كثيرا في نجاح الأفلام وتحقيقها أرباح كبيرة.
هل من نصيحة تحبين تقديمها للممثلات الصاعدات؟
المهم هو التصرف براحة وثقة، وهذا شيء تعلمته من أول وظيفة توليتها حيث كنت أقرأ السيناريوهات في وكالة كاستينغ.
كيف تنجحين في الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة؟
تحقيق التوازن التام بين العمل والحياة الخاصة أمر مستحيل. مع أولادي الأربعة وعملي على المسرح والشاشة، إن تنظيم وقتي مهمة شاقة. أولادي يبقونني عاقلة ومتزنة، فلا وقت للارتباك لأن أولادنا بحاجة إلينا. وطبعا تنقصني ساعات نوم كثيرة. أنا شغوفة بعملي وبعائلتي وأصدقائي.
كيف تتعاملين مع الشهرة والحياة العائلية الخاصة؟
أنا شخص يقدر خصوصيته كثيرا. الشهرة أتت كنتيجة ثانوية جميلة لعملي، لكن الشهرة ليست ما يشجعني ويحفزني. لا أشارك حياتي الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ولم أفتح حسابات عليها لأنني لا أملك الصبر الكافي لذلك. أنا أؤمن بالخصوصية، ولا أحب فكرة أن يرى آلاف الناس صوري الشخصية وصور عائلتي. صرنا مجتمعا مهووسا بنشر كل تفاصيل حياته بشكل متواصل. أنصح الناس بالتحرر من ذلك لأنه يضعنا في ضغط مستمر.
أين تعيشين اليوم؟
أنا محظوظة بأنني استطعت السفر والعيش والعمل في أماكن مختلفة. عشت في انجلترا لفترة طويلة، ثم عدت إلى وطني أستراليا سنة 2006 حيث أدرت شركة سيدني للمسرح مع زوجي. والآن عدت مع عائلتي إلى انجلترا، وفي استراليا يسكن أخي وأختي ووالدتي.
هل تعلّمت شيئًا بقي معك من الأدوار التي لعبتها؟
تبقى مع الممثل بقايا صغيرة من الشخصية التي يؤديها. الملكة إليزابيث الأولى ألهمتني كثيرا بدبلوماسيتها المذهلة.
برأيك، ما أكبر نقاط ضعفك ونقاط قوتك؟
الضعف والقوة جزء من كوني امرأة. ما من إنسان بلا عيوب. أنا أقلق وأرتبك وأصارع عيوبي ومشاكلي كغيري من الناس، لكنني أحاول دائما أن أتفوق على كل ذلك. كنت محرجة وخجولة اجتماعيا، وأتمنى أن أكون قد تخطيت ذلك. ترعرعت مع نساء قويات مثل أمي وجدتي وشقيقتي.
عند رحيل والدي، ربّت أمي ثلاثة أولاد بنفسها. ومن أولادي تعلّمت أهمية التضحية، وأن ذلك ليس ضعفا.
هل عشت تجارب سيئة في حياتك؟
أن نخسر من نحب تجربة صعبة جدًا. توفي والدي بنوبة قلبية مفاجئة حين كنت بعمر 10 سنوات. أتذكر أنني لوحت بيدي وقلت له وداعا قبل أن يذهب إلى عمله ذلك اليوم لكنني لم أعانقه، وذلك جعلني أحرص على المعانقة عندما أودع عائلتي. بعد وفاة والدي، عشت فترة كئيبة، لكن ذلك أعطاني عزما ودفعني إلى الفعل لأن الحياة قصيرة.
ماذا علّمتك والدتك؟
علمتني أمي أهمية احترامي لذاتي وللآخر.
أين تحبين تمضية إجازاتك؟
في وطني أستراليا.
ماذا تحبين أن تفعلي في أوقات فراغك للاسترخاء والتخلص من الضغط؟
من الضروري التوقف لبرهة وأخذ نفس. أحب أن أشرب قهوتي كل صباح وأن أقرأ الجريدة. من المهم أن نعتني بأنفسنا، فالحياة فوضى، لذلك أكرس بعض الوقت صباحًا ومساء للاعتناء ببشرتي مثلا.
ذكرت الرياضة. ما هي أنواع الرياضة التي تحبين ممارستها؟
أركض خلف أولادي! بصراحة، أحب البيلاتس كثيرا. بدأت التدرب الصارم مع مدرب خاص من أجل دور “هيلا” في فيلم “ثور”. كان تدريب كارديو شاقا مع أثقال لمدة عشرين دقيقة. أتمنى العودة إلى ممارسة الرياضة بانتظام.
هل تحرصين على تناول الأطعمة الصحية؟
أحب الطعام الإيطالي والطعام الياباني، وبوجود أولادي، آكل أكثر. من الخطوات الصحية التي أقوم بها هي شرب الماء مع الليمون صباحًا قبل القهوة. أحاول أيضا تناول ملعقة صغيرة من خل التفاح صباحا لأنه يحارب حموضة الجسم.
أعتقد أنه في ظل الأضواء المسلطة على النجوم، الثقة بالنفس ليست سهلة.
على الممثل أن يتعلم عدم الاكتراث والمبالاة من أجل الصمود في هذا العالم. من غير المفيد أن يستمع الممثل إلى كل التعليقات السلبية والانتقادات، وعليه أن يميز ويعرف متى يصغي ومتى لا يبالي. الصحافة تعشق تسليط الضوء على فشل الممثل، لكنني لم أخف يومًا من الفشل. أتفادى ضغط آراء الناس، والضغط الذي أعيشه هو ضغط إنجاز عملي بإتقان.
كونك أيقونة أناقة، هلا شرحت لنا جوهر الأناقة؟
بالنسبة إلي، إن أيقونة الأناقة هي المرأة التي لا تتردد ولا تخاف من أن تكون نفسها بلا خجل. الإطلالة امتداد للشخصية.
ما الذي يجعل المرأة جميلة برأيك؟
اختلاف أنواع الجمال أمر مشوق، لكننا نرى اليوم الكل متشابها. الجمال ليس بالضرورة الرونق الخارجي بل روح المرأة.
قلت مرة إن الناس على الأرجح يأتون إليك لنصائح العناية بالبشرة. ما هي أفضل نصيحة تقدمينها إلى هؤلاء الناس؟
الاهتمام ببشراتنا مهم جدًا خاصة لأننا نعرضها للكثير من العوامل المؤذية والمضرة مثل الماكياج والشمس والتلوث. الترطيب والحماية من الشمس أساسيان، وقد تعلمت أهمية حماية بشرتي من أشعة الشمس من والدتي. أحرص شخصيًا على تنظيف بشرتي وإزالة الماكياج قبل النوم، وصباحًا أستخدم التونر القابض للمسام. أشرب الكثير من الماء، وأتناول الفيتامينات. أستعمل مستحضرات SK-IIمنذ 15 عامًا مثل المرطب والأقنعة. الثبات مهم جدًا في العناية بالبشرة.
ما هي مستحضرات الماكياج الأساسية بالنسبة إليك؟
أحب تعزيز جمال العين مع ماسكارا سوداء اللون وقلم أبيض على خط الرموش. أحمر الشفاه جميل أيضًا، وأبحث دائمًا عن الألوان الرائعة من الدرجات الحمراء إلى اللحمية. إلى جانب الماكياج، أحب العطور جدًا لأنها تفوح بالذكريات وبالطموح. العطر قوي وحميم.
قلت مرة عن التقدم في السن: “المهم أن تقومي بأفضل ما يمكنك بما تملكينه وفي الوقت الذي تملكينه”… هل يمكنك أن تشرحي لنا أكثر عن هذه الفكرة وعن كيفية تقبل التقدم في السن وتحويله إلى شيء إيجابي؟
كلنا نخاف من التقدم في السن لأننا نخاف الموت. لكنني شخصيا لا أخاف من علامات التقدم في السن على مظهري، ولا أسعى كي أبدو أصغر سنًا. علينا الاستفادة من ما نملكه، ولا يجب ان نخبئ واقعنا. نلاحظ أن النساء من كل الفئات العمرية يلجأن إلى عمليات التجميل، لكن هل يزيل ذلك عدم ثقتهن بأنفسهن؟