مريم الصالح

مشوارها الفني

بعض الأشخاص يدخل التاريخ.. لكن هناك آخرين يكتبون التاريخ ويصنعونه، هناك عديد ممن صعدوا إلى الفضاء، لكن يبقى دائما في الأذهان أول من وضع قدمه على سطح القمر، وقد كانت هي أول من وضعت قدمها على خشبة المسرح والفن الكويتي عامة بمشاركة الفنانة مريم الغضبان، هي مريم الصالح التي أصبحت مرادفا لمشوار فني طويل وغزير، تركت علامات في الفن الخليجي بتنوع الأدوار وغزارتها.

ومريم الصالح عرفت طريقها إلى الفن منذ صغرها؛ حيث بدأت حياتها بتمثيلها أول دور لها وهي طالبة بالمرحلة الابتدائية في مسرحية بعنوان “الطاعة” 1957 وكانت لا تزال طفلة، ثم في عام 1961 شاركت في مسرحية “صقر قريش”، حتى قاربت على المائة عمل بين المسرح والتلفزيون والمسلسلات الإذاعية.

وتمتاز مريم بتعدد الموهبة التي تعطيها ندرة في الوقت ذاته، فقد قامت بتأليف مسرحية “جنون البشر” عام 1997، وأخرجت مسلسلين للإذاعة هما “قلب أم” و”أكبر من الحب”، كما حصلت على الماجستير في الإخراج من جامعة بريستول. وأول وظيفة شغلتها كانت في وزارة الصحة قبل أن تنتقل إلى الإذاعة لتعمل في مجال الإخراج.

أما على الشاشة الصغيرة، فيما كان أول مسلسل تشارك فيه هو “لا فات الفوت ما ينفع الصوت”، وشاركت لسنوات في البرنامج الإذاعي الشهير “نافذة على التاريخ”؛ وذلك في إذاعة الكويت.

طفولتها

عاشت الصالح طفولتها والتي تميزت هذه المرحلة بشقاوة كبيرة. برزت مواهبها الفنية منذ الثامنة من عمرها، عندما كانت تصعد على حائط منزل العائلة وتتكلم بصوت عالٍ وتمثل كأنها على خشبة المسرح وتقلد شخصية عبلة. وفي فترة الشباب عشقت الفن وكان الوقت الأحب إلى قلبها حين كانت ترتاد السينما وتشاهد الأفلام وتعود إلى المنزل في الفريج وتمثلها مجددا، وتؤلف مواقف تمثيلية وتؤديها.

في مدرسة الشرقية الابتدائية، أدت الصالح دور فتاة يتيمة (سميرة) في مسرحية قصيرة عنوانها “ملح الطعام”، وتم تقديمها في حفلة مدرسية حضرتها الأمهات والمدرسات، هكذا وقفت للمرة الأولى أمام الجمهور، ونجحت وبدأت هوايتها تجد لها متنفسا، من ثم أدت دور “ابن نسيبه” ونالت عليه الميدالية الذهبية لأحسن دور في المسرحية.

في الصفوف المتوسطة تعرفت الصالح إلى المسرح كفن قائم بذاته؛ إذ استحضرت وزارة التربية آنذاك اختصاصيين في التربية المسرحية، وكان يشرف على نشاط التربية المسرحية في مدرستها سامي طموم، فأسند إليها دور رجل يدعى يزيد في مسرحية “صقر قريش”، فحققت عبره انطلاقتها الفنية الحقيقية.

ومع أنها تفوقت في دروسها وكانت الأولى دائما، إلا أن ظروفا عائلية أجبرتها على قطع دراستها، فالتحقت بوزارة الصحة العامة للعمل فيها، لكن حلم التمثيل لم يفارقها، وكانت تبرز طاقاتها التمثيلية أمام زميلاتها الموظفات وتقلد الممثلات أمثال أمينة رزق، سميحة أيوب، وسناء جميل.

بعدها عرفت مريم أن هناك فرقة مسرحية بحاجة إلى ممثلين وممثلات، وشجعها زميلاتها على الاشتراك بها، لكنها استهجنت الفكرة، وبتشجيع من زميلاتها اتصلت بالفنان القدير محمد النشمي، الذي كان مسؤولا آنذاك عن “مؤسسة المسرح والفنون” التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فرحب بها وحدد لها موعدا مع الفنان القدير زكي طليمات.

عادت الصالح إلى بيتها فرحة بهذا الخبر، لكن ما إن علمت والدتها بالأمر حتى ثارت في وجهها ولعنت اليوم الذي ذهبت فيه إلى المدرسة التي أفسدت أخلاقها وجعلتها تعرف مثل هذه الأمور المعيبة، فما كان من الصالح إلا أن راحت تتودد إلى والدها وتستعطفه، وبعد جهد جهيد نالت موافقته على الانضمام إلى الفرقة. وفي الموعد المحدد اصطحبها الفنان محمد جابر إلى محمد النشمي والأستاذ الكبير زكي طليمات، وكانت ترتدي العباءة والبوشيه، ورافقها شقيقها الأصغر كحارس لها.

عندما وصلت إلى المكان المحدد فوجئت الصالح بدخولها صالة كبيرة تضم ما لا يقل عن 40 شابا، فتعثرت خجلة من هذا التجمع الشبابي الكبير. شعر طليمات بترددها فأدخلها إلى غرفة جانبية وهدأها وطلب منها أن تقرأ أو تمثل أمامه، فقرأت سطورا من نص مسرحية «صقر قريش» الذي كان بحوزتها، وكانت تعابير وجهه خير معين لها على الاستمرار في القراءة ثم التمثيل. بعد فترة وجيزة، خرجت الصالح من هذه الحجرة الصغيرة، وهي عضو أول فرقة مسرحية كويتية أُطلق عليها «فرقة المسرح العربي»، وأول فتاة كويتية تحترف مهنة التمثيل.

المعاناة

أما عن المعاناة في حياة مريم الصالح، ففي السادسة عشرة من عمرها توفي والدها، وكانت تشارك آنذاك في بطولة أول عمل مسرحي لها، فوجدت نفسها مسؤولة، في تلك السن الصغيرة، عن أمها وأشقائها الخمسة. ازدادت الأعباء عليها إلا أنها قررت تحمُّلها لوحدها وصمدت أمام الصعوبات إلى أن كبر أشقائها وتخرجوا في الجامعة وتزوجوا.

ما إن التقطت الصالح أنفاسها حتى شاءت الأقدار أن تستكمل مسيرة تحمل المسؤولية، ولكن هذه المرة مع أولادها بعدما انفصلت عن زوجها منذ عشرين عاما، فكانت تدير بيتها وتربي أبناءها وتتابعهم في دراستهم وشؤون حياتهم، حتى أصبح نواف وصقر رجلين وأدركا أن أمهما امرأة عصامية صنعت نفسها بنفسها وتحملت المسؤولية منذ صغرها وما زالت لغاية اليوم.

وترفض الصالح منذ فترة العمل على المسرح بعدما قالت أن ما يقدم اليوم على المسارح الخليجية لا يرضيها وذكرت أنها لا تستطيع تقديم التهريج والصعود على الخشبة لتقديم مثل مسرحيات هذا الزمن.

شاركت مريم الصالح بمسلسل “كنة الشام وكناين الشامية” على شاشة MBC الذي يعتبر مسلسل ملحمي يتناول المجتمع الكويتي في سبعينيات القرن الماضي.